ظهر الملاك جبرائيل لعذراء مخطوبة تُدعى مريم، ليبشرها بميلاد ابن لها ، وكانت التوراة مليئة بنبوءات قديمة تتحدث عن تفاصيل هذا الميلاد المعجزي ، مكانه، وعن الملك المولود الذى سيُخلص شعب بني إسرائيل وعن رحلته لأرض مصر.
ولذلك اضطرب قلب هيرودس خوفا على عرشه ظنا منه بان الطفل يسوع سيأخذ منه الحكم ويكون هو ملك اليهود والجدير بالذكر أن هيرودس واحدًا من أكثر الملوك شرًا في التاريخ فأصدر أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين؛ ولكن كان الملاك قد ظهر ليوسف النجار خطيب العذراء مريم في الحلم وأخبره بأن يأخذ الطفل ومريم إلى مصر، قائلاً: "خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك، لأن هيرودس مُزمع أن يطلب الصبي ليهلكه"، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلًا وانصرف إلى أرض مصر.
بهذه الكلمات تحدث الإنجيل عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء إلى مصر، التي سطّرت صفحة جديدة في تاريخها واستغرقت زيارة العائلة المقدسة في مصر 3 سنوات و6 أشهر و10 أيام ، وقد رصد البابا "ثاؤفيلس" البطريرك رقم 23 في كرسي الكرازة المرقسية بمصر في الفترة ما بين 385-412م وفقًا لمخطوطة " الميمر" (وهى كلمة سيريانية تعني السيرة)، أهم المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة، بداية من "الفرما" والتي كانت تُعرف بـ"البيليزيوم"، وهي المدينة الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد حاليًا، وتعد أقدم طريق يصل مصر بسوريا حتى جبل قسقام بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، حيث رجعا مرة أخرى إلى فلسطين بعد وفاة الملك هيرودس.
سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق (الفلوسيات) غرب العريش بـ ٣٧ كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهه الفرما (بلوزيوم) الواقعة بين مدينتي العريش وبورسعيد.
ودخلت العائلة المقدسة مدينة تل بسطا بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالى ١٠٠ كم من الشمال الشرقى وفيها انبع السيد المسيح عين ماء وكانت المدينة مليئة بالأوثان وعند دخول العائلة المقدسة المدينة سقطت الأوثان على الأرض فأساء اهلها معاملة العائلة المقدسة فتركت العائلة المقدسة تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب.
حتى وصلت بلدة مسطرد - المحمة وتبعد عن مدينه القاهرة بحوالي ١٠ كم تقريبًا.وكلمة المحمة معناها مكان الاستحمام وسميت كذلك لأن العذراء مريم أحمت هناك السيد المسيح وغسلت ملابسه .
من المطرية ، اتجهت العائلة المقدسة شمالاً إلى بلبيس (فيلبس) ، وهي بلدة تقع في محافظة الشرقية ، على بعد حوالي 55 كم شمال شرق القاهرة. لجأت العائلة المقدسة إلى شجرة عُرفت باسم شجرة العذراء مريم. في رحلة العودة ، مرت العائلة المقدسة أيضًا ببلبيس.
ومن بلبيس رحلت العائلة شمالاً بغرب إلى بلدة منية سمنود - منية جناح مــن منيـة سمنود عبـرت العــائلة المقـدسـة نهـر النيــل إلى مـدينة سمنـود (جمنوتى - ذبة نثر) داخـل الدلتا واستقبلهم شعبها استقبـالاً حسنًا فباركهـم السيد المسيح لـه المجـد ويوجد بها ماجور كبير من حجر الجرانيت يقال ان السيدة العذراء عجنت به أثناء وجودها ويوجد أيضًا بئر ماء باركه السيد بنفسه ومن مدينة سمنود رحلت العـائلة المقدسة شمالاً بغــرب إلى منطقة البرلس حتى وصلت مدينة (سخا - خـاست - بيخـا ايسوس) حاليًا في محافظة كفــر الشيخ.وقد ظهر قدم السيد المسيح على حجر ومنه أخذت المدينة اسمها بالقبطية وقد أخفى هذا الحجر زمنًا طويلاً خوفًا من سرقته في بعض العصور واكتشف هذا الحجر ثانية من حوالى ١٣ عاما فقط.
ومن مدينة سخا عبرت نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب الدلتا وتحركت جنوبًا إلى وادى النطرون (الاسقيط) وقد بارك السيد المسيح وامه العذراء هذا المكان.
ومن وادى النطرون ارتحلت جنوبًا ناحية مدينة القاهرة وعبرت نهر النيل إلى الناحية الشرقية متجهه ناحية المطرية وعين شمس. ومنطقة المطرية وهى بالقرب من عين شمس (هليوبوليس - اون) وتبعد عن مدينة القاهرة بحوالي ١٠ كم وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى بمعبد أونياس.
وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم بشجرة مريم. وانبع الرب يسوع عين ماء وشرب منه وباركه ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس الطفل يسوع وصبت الماء على الارض فنبت في تلك البقعة نبات عطري ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم او البلسان يضيفونه إلى أنواع العطور والأطياب التي يصنع منها الميرون المقدس.ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهه ناحية مصر القديمة وارتاحت العائلة المقدسة لفترة بالزيتون وهى في طريقها لمصر القديمة.
ومرت وهى في طريقها من الزيتون إلى مصر القديمة على المنطقة الكائن بها حاليًا كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك.
ووصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة وتعتبر منطقة مصر القديمة من اهم المناطق والمحطات التي حلت بها العائلة المقدسة في رحلتها إلى أرض مصر ويوجد بها العديد من الكنائس والاديرة. وقد تباركت هذه المنطقة بوجود العائلة المقدسة ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها إلا ايامًا قلائل نظرًا لتحطم الاوثان فأثار ذلك سخط والى الفسطاط فأراد قتل الصبى يسوع.
وكنيسه القديس سرجيوس (ابو سرجه) بها الكهف (المغارة) التي لجأت اليه العائلة المقدسة وتعتبر من اهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.وارتحلت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة متجهه ناحية الجنوب حيث وصلت إلى منطقة المعادي إحدى ضواحي منف - عاصمة مصر القديمة.
وقد أقلعت في مركب شراعي في النيل متجهة نحو الجنوب بلاد الصعيد من البقعة المقام عليها الآن كنيسة السيدة العذراء المعروفة بالعدوية لأن منها عبرت (عدت) العائلة المقدسة إلى النيل في رحلتها إلى الصعيد ومنها جاء اسم المعادي ولايزال السلم الحجري الذى نزلت عليه العائلة المقدسة إلى ضفة النيل موجودًا وله مزار يفتح من فناء الكنيسة.
ومن الأحداث العجيبة التي حدثت عند هذه الكنيسة أنه في يوم الجمعة الموافق ١٢ مارس ١٩٧٦ م وجد الكتاب المقدس مفتوحًا على سفر أشعياء النبي الاصحاح (١٩- ٢٥) مبارك شعبي مصر طافيًا على سطح الماء في المنطقة المواجهة للكنيسة من مياه النيل.وبعد ذلك وصلت العائلة المقدسة قرية دير الجرنوس (أرجانوس) على مسافة ١٠ كم غرب أشنين النصارى - مركز مغاغة.
وبجوار الحائط الغربي لكنيسة السيدة العذراء توجد بئر عميقة يقول التقليد ان العائلة المقدسة شربت منها.مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمى اباى ايسوس (بيت يسوع) شرقى البهسنا ومكانه الآن قرية صندفا (بنى مزار) وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة ١٧ كم غرب بنى مزار.
ورحلت العائلة من بلدة البهنسا ناحية الجنوب حتى بلدة سمالوط ومنها عبرت النيل ناحية الشرق حيث يقع الآن دير السيدة العذراء بجبل الطير (أكورس) شرق سمالوط ويقع هذا الدير جنوب معدية بنى خالد بحوالي ٢ كم حيث استقرت العائلة بالمغارة الموجودة بالكنيسة الأثرية. ويعرف بجبل الطير لأن الوفًا من طير البوقيرس تجتمع فيه. ويسمى أيضًا بجبل الكف حيث يذكر التقليد القبطي أن العائلة المقدسة وهى بجوار الجبل - كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم فمد الرب يسوع يده ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبعت كفه على الصخر.
وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية (شجرة غار) على مسافة ٢ كم جنوب جبل الطير بجوار الطريق المجاور للنيل، والجبل الواصل من جبل الطير إلى نزلة عبيد إلى كوبرى المنيا الجديد ويقال إن هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح له المجد وتجد أن جميع فروعها هابطة باتجاه الارض ثم صاعدة ثانيه بالأوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.
وتغادر العائلة المقدسة من منطقة جبل الطير وعبرت النيل من الناحية الشرقية إلى الناحية الغربية واتجهت نحو الأشمونيين (أشمون الثانية) وحدثت في هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت أوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.
وارتحلت العائلة المقدسة من الأشمونيين واتجهت جنوبًا حوالى ٢٠ كم ناحية ديروط الشريف فيليس.ثم تغادر من ديروط الشريف إلى قرية قسقام (قوست قوصيا) حيث سقط الصنم معبودهم وتحطم فطردهم اهلها خارج المدينة واصبحت هذه المدينة خرابًا.
وتهرب العائلة المقدسة من قرية قسقام وتتجه نحو بلدة مير ميره تقع على بعد ٧ كم غرب القوصية وقد أكرم اهل مير العائلة المقدسة أثناء وجودها بالبلدة وباركهم الرب يسوع والسيدة العذراء.
ومن مير ارتحلت إلى جبل قسقام حيث يوجد الآن دير المحرق ومنطقة الدير المحرق هذه من أهم المحطات التي استقرت فيها العائلة المقدسة حتى سمى المكان بيت لحم الثاني. يقع هذا الدير في سفح الجبل الغربي المعروف بجبل قسقام نسبة إلى المدينة التي خربت ويبعد نحو ١٢ كم غرب بلدة القوصية التابعة لمحافظة اسيوط
على بعد ٣٢٧ كم جنوبي القاهرة. مكثت العائلة المقدسة نحو سته اشهر وعشرة ايام فى المغارة التي أصبحت فيما بعد هيكلاً لكنيسة السيدة العذراء الأثرية في الجهة الغربية من الدير ومذبح هذه الكنيسة حجر كبير كان يجلس عليه السيد المسيح. وفى هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا قم وخذ الصبى وأمه واذهب أرض اسرائيل لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبى.
وفى طريق العودة سلكوا طريقًا أخر انحرف بهم إلى الجنوب قليلا حتى جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة وباركته العائلة المقدسة حيث بنى دير باسم السيدة العذراء يقع على مسافة ٨ كم جنوب غرب أسيوط. ثم وصلوا إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء ثم فلسطين حيث سكن القديس يوسف والعائلة المقدسة في قرية الناصرة بالجليل.
وهكذا انتهت رحلة المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابًا وايابًا قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفى كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة إلى جوار السفن أحيانا في النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيًا على الأقدام محتملين تعب المشي وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة في كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكملة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح.
يشمل مسار رحلة العائلة المقدسة 25 نقطة تمتد على مسافة 3500 كيلومتر ذهابًا وإيابًا من سيناء إلى أسيوط. يحتوي كل موقع أقامت فيه العائلة المقدسة على مجموعة من القطع الأثرية على شكل كنائس أو أديرة أو آبار مياه ، بالإضافة إلى مجموعة أيقونات قبطية تشير إلى مرور العائلة المقدسة عبر هذه المواقع ، بحسب ما أقره الأقباط الأرثوذكس. الكنيسة في مصر. بدأت رحلة العائلة المقدسة من رفح شمال شرق البلاد مروراً بمنطقة الفرما شرق بورسعيد ، ومنطقة الدلتا بسخا بكفر الشيخ ، وتل بسطة بالشرقية ، وسمنود بالغربية. ثم سافروا إلى وادي النطرون في الصحراء الغربية ، حيث زاروا أديرة الأنبا بيشوي والسيدة العذراء والسورية والبراموس والقديس أبو مقار. بعد ذلك توجهت العائلة إلى منطقة المطرية والمعادي حيث توجد شجرة السيدة العذراء. ثم قاموا بزيارة "مسجد زويلة" في القاهرة الفاطمية ، والمناطق القديمة في مصر بكنيسة "أبو سرقة" وسط المجمع الديني ، ومن هناك إلى "كنيسة المعادي" ، وهي النقطة التي توجد فيها العائلة المقدسة. عبرت نهر النيل ، حيث ظهرت صفحة الكتاب المقدس على سطح الماء ، في إشارة إلى القول الشهير "طوبى لمصر يا شعبي".
وصولًا إلى المنيا حيث جبل الطير، وتقع كنيسة السيدة العذراء على قمة الجبل الملاصق للنيل، وتعد أحد أهم المزارات الخاصة بالعائلة المقدسة أثناء رحلتها إلى مصر بعد دير المحرق، وقد سمي هذا الجبل "بجبل الطير" نسبة إلى أنه كان يتردد عليه مجموعة كبيرة من الطيور تسمى البوقيوس الأبيض، كذلك عرف "بجبل الكهف" و"دير البكرة.
وأنشئت الكنيسة على يد الملكة هيلانه والدة الإمبراطور قسطنطين عام 328م، ونحتت الكنيسة في الصخر الصلد، وغالبًا ما كانت مدفنًا فرعونيًا أو رومانيًا تحول إلى كنيسة. والكنيسة لها مدخل يقع جهة الغرب تعلوه أحجار منحوتة مختلفة الأحجام تتميز بنقوشها الرائعة، وفي الناحية الجنوبية الشرقية للكنيسة نجد المغارة أو الكهف الذي مكثت فيه العائلة المقدسة لمدة ثلاثة أيام.
ثم أسيوط حيث يوجد دير المحرق وبه أول كنيسة دشنها السيد المسيح بيده، وتبلغ مساحة الدير حوالي عشرين فداناً تقريبا، وبذلك يعد من أكبر وأعظم الأديرة في الصحارى المصرية، ويضم الدير خمسة كنائس، بالإضافة إلى كنيسة الحصن، واندثرت اثنتان منها في عصور غابرة، وتعد كنيسة السيدة العذراء الأثرية أقدم من الدير حيث ترجع إلى القرن الأول للميلاد.
ولتلك الكنيسة مكانة خاصة بين بقية الكنائس القبطية، وذلك لأنها مرتبطة برحلة العائلة المقدسة في مصر. ويرجع اسم الكنيسة لكل من القديسين سرجيوس وباخوس اللذين استشهدا بمنطقة الرصافة بسوريا حسب المعتقد المسيحي. ومثل بقية الكنائس المبكرة صممت الكنيسة ومغاراتها الواقعة تحت الأرض على النمط البازيلكي حيث تتكون من مساحة عرضية وأروقة طولية وحنية شرقية أسفلها المغارة، وتتميز الكنيسة بخصائصها المعمارية والفنية الفريدة والتي تعكس الروح العمارة القبطية في مصر، فنرى الإنبل ومغطس التعميد والحجاب الخشبي المطعم بالعاج، بالإضافة إلى المناظر الدينية التي تمثل القديسين والرسل على مختلف القباب والأعمدة، ثم انتقلت إلى مغارة درنكة، ثم العودة مجددًا إلى أرض الوطن عند بيت لحم.